قصص كنفاني القصيرة، بنبضها الحاد تريد أن تكون مرايا. إنها مرايا يتقاطع فيها الذاتي بالموضوعي. كأن مرض المؤلف المزمن (أصيب كنفاني بداء السكري في شبابه المبكر) يأتي ليشكل خلفية المأساة التي يعيشها الوطن. لذلك تأتي القصص كمرايا، كصور للقلق والبحث والخوف والموت. كلوحات تتداعى فيها الصورة الإنسانية أمام مشكلاتها، لا تطلب الحلول، لكنها تحاول أن تكون جزءاً من مسيرة البحث عن الحل....
كتبت جميع قصص مجموعة "عالم ليس لنا" بين عامي 1959 و1963، ما عدا القصة الأخيرة "العروس" التي كتبت عام 1965، وقد نشر الكتاب للمرة الأولى في بيروت عام 1965. لذلك سوف نجد خطا متيناً يربط هذه المجموعة إلى مجموعتي كنفاني السابقتين "موت سرير رقم 12" و"أرض البرتقال الحزين" حيث يأتلف صوتان أساسيان ليشكلا النسيج القصصي في المجموعة: الغربة عن الوطن، والغربة عن الكرامة.
وكما كانت قصة "موت سرير رقم 12" مؤشراً على محاولة كنفاني طرح أسئلة حول الموت وحول الظروف التفصيلية التي يعيشها الناس في الخليج، فإن قصة "العروس" تأتي لتطرح السؤال حول النضال الوطني الفلسطيني، وحول الرمز الذي سيتجسد في البندقية الفلسطينية. وليس صدفة أن تكتب القصتان بصيغة الرسالة، وليس صدفة أن يكون المؤلف هو الذي يتكلم في صورة البطلين، وليس صدفة أخيراً أن يكون البطلان مهمشين في الواقع: الأول يموت والثاني يصاب بالجنون.
.....
أيها الناس ..
اقرأوا هذه القصص مرتين ، مرة لتعرفوا أنكم موتى بلا قبور ,
ومرة أخرى لتعرفوا ان قبوركم تجهزونها و أنتم لا تدرون .. قبور الثقافة بلا ثورة و الثورة بلا ثقافة , قبور الخوف على الحياة حتى تستحيل في النهاية الى وجود حيواني خسيس "
-د.يوسف ادريس في تقديمه لقصص غسان كنفاني