" إن ربّي لطيف " / عبد الرحمن مسعد.
كلما مَرَّت بوجهي نسمة هواء رائقة تُلامِسه بودٍ أقول “كم هي لطيفة”، وحينما أتعرف على أحدهم وأرى فيه دماثة الخلق وعذوبة الحديث أقول “يا له من شخص لطيف”.. هكذا وضع الله محبة تلك الصفة بشكلٍ خاص في قلبي حتى باتت تطفوا على لساني كلما شعرت بطمأنينة تسكن جسدي، ولم أنتبه يوماً على الإطلاق إلى علاقة تلك الصفة الحسنة الغالبة لديَّ على سائر الصفات بإسم الله “اللطيف” كامل الصفات، حتى حدث وتنبهت ذات يومٍ لذلك حين كنت أصف حياً سكنياً هادئاً لم أزره من قبل، وفي ذات اللحظة وأنا أصفه باللطيف تعالى صوت مذياع من أحد المحلات على الآية الكريمة “الله لطيف بعباده”، فتجمد الدم في عروقي خجلاً وخشية، وشعرت بالذنب وتأنيب الضمير لاستخدامي المتكرر لإسم من أسماء الله الحسنى في وصف كل ما هَبَّ ودَبّ.
عدت يومها إلى المنزل مشغولاً متلهفاً على الانفراد بنفسي كي أجلس معها كما اعتدت لنتناقش في كلِ أمرٍ شائك أو مُحَيِّر، فجلست أتأمل الاسم، وانتبهت أولاً للألف واللام اللذان يحولان كل نكرةٍ إلى مُعرف، فحمدته سبحانه الذي وحده له كامل المعرفة على عدم استخدامي يوماً حَرْفَيّ التعريف قبل وصف شيء بصفة اللطف، ثم بحثت عن معنى اسم اللطيف فوجدته في اللغة من صيغ المبالغة التي تُستخدم لإثبات بلوغ شيء في شدته إلى حدٍ بعيدٍ لا تدركه العقول، فكان الله اللطيف كامل الصفات هو كامل اللطف؛ الذي يعلم دقائق الأمور وخفاياها، وما في الضمائر والصدور، والذي يحسن إلى عباده ويلطف بهم من حيث لا يحتسبون، أو كما قال ابن القيم عن اسم “اللطيف”:
وهــو اللطيف بعبده ولعبده … واللطف في أوصافه نـوعـانِ
إدراك أسـرار الأمـور بخُـبره … واللـطف عند مواقع الإحـسانِ
فيـُريك عزته ويُبدي لطــفه … والعبد في الغفلات عن ذا