حين تحدّثتا عن موضوع السّفر لأوّل مرّة، تكلّمت أمّها فاطمة بشيء من الفلسفة. حدّثتها عن نبات الياسمين الذي أعطتها اسمه. مثل الياسمين، ربّتها على القناعة والاكتفاء بالقليل. فهو نبات لا يحتاج إلى الكثير من العناية. تكفيه دفعة واحدة من السّماد في ربيع كلّ عام، وتربة رطبة دون فيض من السقيا.
جميع أنواع الياسمين تفضل النّموّ في مكان مشمس، لكنّها تتحمّل وجود شيء من الظلّ. وشمس تونس كانت مواتية لنضجها وتكوين شخصيّتها، وقد أصبحت جاهزة لتحمّل شيء من ظلالأوروبا ذات المناخ البارد. مثل الياسمين الأبيض المتوسّطي، كانت رقيقة في مظهرها، لكنّ شخصيّتها قويّة وثابتة، مثل رائحة الياسمين النفّاذة والفريدة التي تبثّ إحساسا بالدّفء لا تملكه الورود الأخرى.لم تتكلّم عن دلالة الياسمين العاطفيّة التي بحثت ياسمين عنها مذ اهتمّت بمدلولات الزهور في بداية مراهقتها. عرفت أنّ إهداء زهر الياسمين لامرأة يعني “لماذا لا تحبّين أبدًا؟”. والدها أهداها هي، ياسمين، إلى والدتها. كانت آخر عطاياه لها حين تخلّى عن حضانتها إثر الطّلاق. وهي “لم تحبّ بعده أبدًا”. كانت جديرة بتقبّل زهرة الياسمين.
تفتقد أمها كل يوم أكثر من اليوم الماضي. مع مرور الوقت تزداد يقينًا من ضياعها بدونها. كانت تعلم أن الغربة ليست تجربة سهلة، ومع ذلك وافقت على سفرها. علّمتها كيف تكون ياسمينة حقيقيّة. لكن لعلّها غفلت عن حقيقة مرّة. زهرة الياسمين تذبل بسرعة حين تغادر تربتها وتنسّق في شكل “مشموم” جميل